فصل: سؤال: لماذا ختمت الآية بقوله: {إنك أنت العزيز الحكيم}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.كلام نفيس لابن عرفة:

قوله تعالى: {رَبَّنَا وابعث فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ}.
إعادة النداء للاهتمام بالسبب وزيادة {مِنهُم} تنبيه على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم في العرب لأن ضمير الذرية يعم العرب والعجم لأن بعض كفار قريش زعم أنه لم يرسل إليهم.
قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الكتاب والحكمة وَيُزَكِّيهِمْ}.
هذا جاء على الأصل في تقديم العلم أولا ثم العمل به لأن العلم شرط في العمل، ولذلك قال: كل شيء يمكن حصوله للولي الجاهل إلا العلم، لأن العلم لا يحصل له إلا بالتعلم وما يحكى في بعض المسائل عن الشيخ الصالح أبي الحسن علي الشاذلي وغيره إنما هي مسائل جزئية يمكن أن يطلعه الله على حكمها في مرآة يراها مسطورة بين يديه، فيجيب بما فيها، إنما العلم الكلي من حيث هو بحيث يتصدى لإقرائه وتعلمه فلم يوجد في العادة لأحد بوجه، كذا كان بعض الشيوخ يقول.
وقدم هنا وفي الحزب الذي يليه بعده {يُعَلِّمُهُمُ} {يُزَكِّيهِمْ}، وآخّره في سورة الجمعة.
كان الشيخ محمد بن عبد السلام يقول: إنه بحسب المجالس فحيث تقدم التعليم تكون تلك الآية نزلت عليه بمحضر الخواص ومن هو أهل للتعليم، فيكون التعليم أَهَمّ، وحيث تقدم التزكية تكون الآية نزلت عليه في موضع أكثره عوام، فتكون التزكية في حقهم أهمّ.
قوله تعالى: {إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم}.
لَمْ يَقُلْ: الغفور الرحيم لأن العزيز هو الذي ينفذ مراده ولا ينفّذ فيه مراد أحد والحكيم هو الذي تضمنه قوله تعالى: {الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} وقوله: {وكانوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا}. اهـ.

.كلام نفيس في الاسمين الجليلين لحجة الإسلام:

قال الإمام الغزالى قدس سره في شرح الأسماء الحسنى:
العزيز: هو الخطير الذي يقل وجود مثله وتشتد الحاجة إليه ويصعب الوصول إليه فما لم تجتمع هذه المعانى الثلاثة لم يطلق {العزيز} فكم من شيء يقل وجوده ولكن إذا لم يعظم خطره ولم يكثر نفعه لم يسم عزيزا، وكم من شيء يعظم خطره ويكثر نفعه ولا يوجد نظيره ولكن إذا لم يصعب الوصول إليه لم يسم عزيزا كالشمس مثلا فإنها لا نظير لها والأرض كذلك والنفع عظيم في كل واحدة منهما والحاجة شديدة إليهما ولكن لا توصفان بالعزة لأنه لا يصعب الوصول إلى مشاهدتهما فلابد من اجتماع المعانى الثلاثة.
ثم في كل من المعانى الثلاثة كمال ونقصان فالكمال في قلة الوجود أن يرجع إلى واحد إذ لا أقل من الواحد ويكون بحيث يستحيل وجود مثله وليس هذا إلا الله تعالى، فإن الشمس وإن كانت واحدة في الوجود فليست واحدة في الإمكان فيمكن وجود مثلها والكمال في النفاسة وشدة الحاجة أن يحتاج إليه كل شيء في كل شيء حتى في وجوده وبقائه وصفاته وليس ذلك الكمال إلا لله تعالى فهو العزيز المطلق الحق الذي لا يوازيه فيه غيره.
والعزيز من العباد من يحتاج إليه عباد الله في أهم أمورهم وهى الحياة الأخروية والسعادة الأبدية وذلك مما يقل لا محالة وجوده ويصعب إدراكه وهذه رتبة الأنبياء- عليهم السلام- ويشاركهم في العز من يتفرد بالقرب من درجتهم في عصره كالخلفاء وورثتهم من العلماء وعزة كل واحد بقدر علو رتبته عن سواه في النيل والمشاركة وبقدر عنائه في إرشاد الخلق والحق ذو الحكمة.
والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأجل العلوم وأجل الأشياء هو الله تعالى ولا يعرف كنه معرفته غيره فهو الحكيم المطلق لأنه يعلم أجل الأشياء بأجل العلوم، إذ أجل العلوم هو العلم الأزلى الدائم الذي لا يتصور زواله المطابق للمعلوم مطابقة لا يتطرق إليها خفاء وشبهة ولا يتصف بذلك إلا علم الله تعالى، وقد يقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويحكمها ويتقن صنعتها حكيما، وكمال ذلك أيضا ليس إلا لله تعالى فهو الحكيم المطلق ومن عرف جميع الأشياء ولم يعرف الله تعالى لم يستحق أن يسمى حكيما لأنه لم يعرف أجل الأشياء وأفضلها، والحكمة أجل العلوم، وجلالة العلم بقدر جلالة المعلوم، ولا أجل من الله ومن عرف الله فهو حكيم وإن كان ضعيف المنة في سائر العلوم الرسمية كليل اللسان قاصر البيان فيها إلا أن نسبة حكمة العبد إلى حكمة الله تعالى كنسبة معرفته إلى معرفته بذاته وشتان بين المعرفتين فشتان بين الحكمتين، ولكنه مع بعده عنه فهو أنفس المعارف وأكثرها خيرا ومن أوتى الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا وما يتذكر إلا أولوا الألباب.
نعم من عرف الله كان كلامه مخالفا لكلام غيره فإنه قلما يتعرض للجزئيات بل يكون كلامه جمليا ولا يتعرض لمصالح العاجلة، بل يتعرض لما ينفع في العاقبة ولما كانت الكلمات الكلية أظهر عند الناس من أحوال الحكيم من معرفته بالله ربما أطلق الناس اسم الحكمة على مثل تلك الكلمات الكلية ويقال للناطق بها حكيم وذلك مثل قول سيد الأنبياء عليه السلام:
رأس الحكمة مخافة الله.
الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله.
ما قل وكفى خير مما كثر وألهى. السعيد من وعظ بغيره.
القناعة مال ينفد.
الصبر نصف الإيمان.
اليقين الإيمان كله.
فهذه الكلمات وأمثالها تسمى حكمة وصاحبها يسمى حكيما. انتهى.

.أسئلة وأجوبة:

.سؤال: لم قال: {فيهم} ولم يقل لهم؟

الجواب: إنما قال: {فيهم} ولم يقل لهم لتكون الدعوة بمجيء رسول برسالة عامة فلا يكون ذلك الرسول رسولًا إليهم فقط، ولذلك حذف متعلق {رسولًا} ليعم. اهـ.
وأجاب الآلوسى عن هذا السؤال بقوله:
ليكون أشفق عليهم، ويكونوا أعز به وأشرف، وأقرب للإجابة، لأنهم يعرفون منشأه وصدقه وأمانته. اهـ.

.سؤال: لم جيء بالمضارع في قوله: {يتلو}؟

وجيء بالمضارع في قوله: {يتلو} للإشارة إلى أن هذا الكتاب تتكرر تلاوته. اهـ.

.سؤال: لماذا ختمت الآية بقوله: {إنك أنت العزيز الحكيم}:

الجواب: ختمت الآية بقوله: {إنك أنت العزيز الحكيم} لأن بعث الرسول تولية، والتولية لا تكون إلا من عزيز غالب على ما يريد، وتعليم الرسول الحكمة لقومه إنما يكون مستندا إلى حكمة مرسله؛ لأن الرسول واسطة بين المرسل والمرسل إليه فلابد وأن يكون حكيما فلا جرم كان اقترانهما مناسبا. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)}.
أخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يَرَيْن».
وأخرج أحمد وابن سعد والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن أبي أمامة قال: قلت: يا رسول الله ما كان بدء أمرك؟ قال: «دعوة إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت له قصور الشام».
وأخرج ابن سعد في طبقاته وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا دعوة إبراهيم قال وهو يرفع القواعد من البيت {ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم} حتى أتم الآية».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العاليه في قوله: {ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم} يعني أمة محمد. فقيل له: قد استجيب لك وهو كائن في آخر الزمان.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وابعث فيهم رسولًا منهم} قال: هو محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {ويعلمهم الكتاب والحكمة} قال: السنة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {ويعلمهم الكتاب والحكمة} قال: الحكمة السنة. قال: ففعل ذلك بهم، فبعث فيهم رسولًا منهم يعرفون اسمه ونسبه، يخرجهم من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط مستقيم.
وأخرج أبو داود في مراسيله عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آتاني الله القرآن ومن الحكمة مِثْلَيْه».
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله: {ويزكيهم} قال: يطهرهم من الشرك ويخلصهم منه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {العزيز الحكيم} قال: عزيز في نقمته إذا انتقم حكيم في أمره. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَوَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}.
هذا إخبار عن تمام دعوة إبراهيم لأهل الحرم أن يبعث الله فيهم رسولًا منهم، أي: من ذرية إبراهيم، وهم العرب من ولد إسماعيل، وقد أجاب الله تعالى لإبراهيم عليه السلام هذه الدعوة، فبعث في ذريته رسولًا في المطبوع: رسولً منهم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، إلى الناس كافة، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن نفسه أنه دعوة إبراهيم، ومراده هذه الدعوة؛ وذلك فيما خرجه الإمام أحمد عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني، عند الله، لخاتم النبيّين، إن آدم عليه السلام لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيّين يرين» وأخرج أيضًا نحوه عن أبي أمامة، قال: قلت: يا نبي الله! ما كان أول بدء أمرك؟ قال: «دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى بي، ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت منها قصور الشام».
والمراد أن أول من نوه بذكره وشَهَرهَ في الناس إبراهيم عليه السلام، ولم يزل ذكره في الناس مشهورًا حتى أفصح باسمه عيسى ابن مريم، عليهما السلام، حيث قال: {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]، وهذا معنى قوله في الحديث: «دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى ابن مريم». وقوله فيه «ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت منها قصور الشام».
قيل: كان منها ما رأته حين حملت به، وقصته على قومها، فشاع فيهم واشتهر بينهم، وكان ذلك توطئة وإرهاصًا. وتخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلى استقرار دينه ونبوته ببلاد الشام، ولهذا يكون الشام في آخر الزمان معقلًا للإسلام وأهله، وبها ينزل عيسى ابن مريم- إذا نزل بدمشق- بالمنارة الشرقية البيضاء منها.
ولهذا جاء في الصحيحين: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله، وهم كذلك» وفي صحيح البخاري «وهم بالشام» وقوله تعالى: {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ} هي إما الفرقان الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، المتلوّ عليهم، وإما الأعلام الدالة على وجود الصانع وصفاته تعالى، ومعنى تلاوته إياها عليهم أنه كان يذكرهم بها، ويدعوهم إليها، ويحملهم على الإيمان بها.
وقوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} أي: الكامل الشامل لكل كتاب وهو القرآن: {الحكمة} هي السنة، فسرها بها كثيرون. وعن مالك: هي معرفة الدين، والفقه فيه، والإتباع له.
وقوله تعالى: {ويزكيهم} أي: يطهرهم من الشرك، وسائر الأرجاس، كقوله: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157].
ولما ذكر عليه السلام هذه الدعوات، ختمها بالثناء على الله تعالى فقال: {إنك أنت العزيز الحكيم}، والعزيز ذو العزة وهي القوة، والشدة، والغلبة، والرفعة، و: {الحكيم} بمعنى الحاكم، أو بمعنى الذي يحكم الأشياء ويتقنها، وكلاهما من أوصاف تعالى.
قال الراغب: إن قيل ما وجه الترتيب في الآية؟ قيل: أما الآيات فهي الآيات الدالة على معجز النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر التلاوة لما كان أعظم دلالة نبوته متعلقًا بالقرآن. وأما الترتيب، فلأن أول منزلة النبي صلى الله عليه وسلم بعد ادعاء النبوة، الإتيان بالآيات الدالة على نبوته، ثم بعده تعليمهم الكتاب، أي: تعريفهم حقائقه لا ألفاظه فقط، ثم بتعليمهم الكتاب يوصلهم إلى إفادة الحكمة، وهي أشرف منزلة العلم، ولهذا قال: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراُ كثيراٌ} [البقرة: 269] ثم بالتدرج في الحكمة يصير الْإِنْسَاْن مزكى أي: مطهرًّا مستصلحًا لمجاورة الله عز وجل. انتهى.